ضوابط الكفر البواح الذي يجيز الخروج على الحكام


الحمد لله الكريم الأوحد * الواسع الفضل الجزيل الموجدِ
ثم صلاة الله منا دائماً * على النبي محمـــدٍ المـــــرشدِ
إننا عندما نرى في شؤون الرعاة والرعية بشكل عام نرى أن هناك قصورٌ عظيم في فهم الخطاب الديني وأنا لم أتكلم من فراغ فقد عاشرت أناساً ممن كانوا الآن في غياهب السجون بسبب تسرع وجنون وفهم منحرف للمضمون في خطاب الشرع الحنيف المطهر الذي لايمكن أن يأتيه الباطل إلا من قبل الغير الجاهل بسبب سوء الفهم والإدراك للنصوص الشرعية ووجود العوائق الشخصية في الطالب للعلم وحتى في الشيخ المفتي داخل كل بلد وخارجه .
فأقول لنعلم أنه لابد من الفهم الصحيح للنصوص الشرعية الصحيحة حتى يتم البت في الأحكام بطريقة علمية شرعية مبينة على أسس وقواعد لاتتزعزع للأهواء الشخصية ولا للشبه العقدية ولا لضغط الجماهير ولا لطلب المناصب والتشهير .
وعندما نرى في ضوابط الكفر البواح الذي ورد في حديث عبادة الصامت الذي رواه البخاري في كتاب الأحكام ورواه مسلم في كتاب الإمارة ونصه : (( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان )) وهذا الحديث الذي زل بسببه أناس بسبب عدم الفهم الواضح الجلي للكفر البواح وعندما نرى في ضوابط الكفر البواح نجد أنها كالآتي :
1ــ لابد في الكفر البواح من الرؤية فالسماع لايكفي فهذا من باب قوله تعالى : (( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإٍ فتبينوا . . . )) فربما ظلمنا الحاكم وافترينا عليه أنه ارتكب كفراً بواحاً بسبب دعوة جاهلٍ معادٍ له بغير حق .
2ــ لابد أن يكون هذا الأمر الذي خرجنا من أجله كفراً فلا عبرة بالأمر أو العمل الذي لايصل إلى حد الكفر , قال القاضي عياض : " أجمع العلماء على أن الإمامة لاتنعقد لكافروعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل قال : وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها " يعني أن الأمر ليس تركاً ذاتياً من قبله فقط بل لابد من الجحد للوجوب وعدم إذن منه في إقامتها وإذا كان كذلك فإن هذا لايمكن أن يكون تهاوناً في أدائها بل هو جحد لوجوبها , لأن العلماء اختلفوا في حكم ترك الصلاة تهاوناً فليعلم ذلك وانتبه فقد وردت رواية بالكفر البواح ورواية بالإثم البواح كما جاء في مسند الإمام أحمد (5/329) حديث : (( مالم يأمروك بإثمٍ بواحاً )) وفي توجيه هذه الروايات يقول الإمام النووي فشرحه لصحيح مسلم  : " والمراد بالكفر في رواية البخاري المعاصي  ـ ثم يقول ـ ومعنى الحديث : لاتنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولاتعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام , فإذا رأيتم ذلك فأنكروه وقولوا بالحق حيث ماكنتم وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين "  فليؤخذ الحيطة والحذر من التسرع في هذا الأمر .
3ــ لابد أن يكون الكفر " بواحاً " أي منتشراً ذائعاً قال الخطابي في معنى قوله " بواحاً " : ( ظاهراً بادياً من قولهم باح الشيء يبوح به بوحاً وبواحاً إذا أذاعه وأظهره ) كما نقل ذلك عنه ابن حجر في فتح الباري عند شرحه لهذا الحديث .
4ــ أن يكون هناك برهان على أن هذا العمل الذي يعمله الحاكم كفر صريح لايحتمل التأويل يقول الحافظ ابن حجر في الفتح (13/ ص 8 ) عند قوله صلى الله عليه وسلم : " عندكم  فيه من الله برهان " : (أي نص آية أو خبر صحيح لايحتمل الـتأويل ) أي يعني إذا كان النص الذي جاء في الشرع يحتمل التأويل فلا يصح الخروج .
5ــ بقي شرط يزيده العلماء على ذلك وهو : القدرة على إزالة الحاكم أو خلعه فإذا لم يُقدر على ذلك فلا يُخرج على الحاكم لأنه لافائدة من الخروج بل تتحتم الهجرة هنا إذا قدر عليها قال تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ) ــ آية 99,98,97 من سورة النساء ــ وهذا يتبين لنا أنه في حق الرجال , ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة لما وجدوا الظلم من فجرة وكفار قريش .
6ــ وأقول لابد أيضاً من النصيحة قبل ذلك كله للحاكم حتى تقوم الحجة على الحاكم وذلك في حال ضلاله عن صراط الله المستقيم امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) ثلاثاً فقال الصحابة رضوان الله عليهم : (لمن يارسول الله ؟ ) قال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ) فلا بد من القيام بالنصيحة كأول خطوة ثم يُنظر مابعدها إبراء للذمة وحرصاً من خطوة طائشة قد تجر لويلات وكان من الممكن تفاديها فلا بد من النصيحه .
ولنعلم جميعاً أنه قد أجمع العلماء على أن إمامة الكافر لاتصح من الأصل كما قال ابن المنذر: ( أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر لاولاية له على مسلم بحال ) كما نقل ذلك عنه ابن القيم في في كتابه ــ أحكام أهل الذمة ــ وكذلك لاتصح إذا كان مسلماً ثم كفر فلابد من عزله إذا ارتد أو كفر إن أمكن وإلا خرج عليه المسلمون إن قدروا على ذلك وإلا وجب الهجرة على الرجال القادرين دون غيرهم من الضعفة ,  يقول القاضي أبويعلى في (المعتمد في أصول الدين) : (إن كفر بعد ايمانه فقد خرج عن الإمامة وهذا لاإشكال فيه لأنه قد خرج عن الملة ووجب قتله ) .
وقال القاضي عياض : " أجمع العلماء على أن الإمامة لاتنعقد لكافر , وعلى أنه لو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة مكفرة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك فإن لم يقع ذلك وجب عليهم القيام بخلع الكافر " نقله عنه النووي في شرحه لصحيح مسلم .
يقول ابن حجر في فتح الباري ج13 ص123 : " إنه ينعزل بالكفر إجماعاً ــ أي الحاكم ــ فيجب على كل مسلم القيام في ذلك ـ أي بالعزل ـ فمن قوي على ذلك فله الثواب ومن داهن [ أي وافق ] فعليه الإثم ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تللك الأرض " . وأما الحاكم الفاسق أو الجائر فيحرم الخروج عليه لسيف مهما بلغ في الظلم كل مبلغ مالم يصل إلى حد الكفر وهذا مذهب جمهور العلماء بل جمهور أهل السنة والجماعة وهو مذهب عامة أهل الحديث يقول الإمام أحمد : " والسمع والطاعة للأئمة وأميرالمؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به " وقد استقر مذهب أهل السنة على القول بتحريم الخروج وقد تبين ذلك من كتاباتهم لمن استقرأها , يقول شيخ الإسلام في منهاج أهل السنة : " استقر امر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين " ويرى بعض الفقهاء إجماع الفقهاء على حرمة الخروج إجماعاً واحداً علماً أن حرمة الخروج على الإمام الجائر مأخوذ من الطبقة المتأخرة من التابعين كما ورد في كتاب ــ تهذيب التهذيب ــ لابن حجر ولا ننسى أنه مذهب أكثر الصحابة قبل ذلك وبالله التوفيق .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محمد بن ثنيان ( الجد الأكبر لعائلة الثنيان ) توثيق تاريخي

أحاديث لايعرفها الكثير من الناس

ماهو شاهين ؟ ؟ الحاسب العملاق shaheen super computer